عدد الرسائل : 56 تفاعل العضو : تاريخ التسجيل : 01/08/2008
موضوع: الجوقة و العازف الوحيد ...قصة بقلم بوفاتح سبقاق السبت ديسمبر 06, 2008 2:25 am
كان شروق الشمس كعادته يبعث في النفس النشاط والمبادرة ، غير أنه يحمل معه أنباء جديدة عن وضع البلاد ، المسلسل ما زال مستمرا ، هذه الأخبار تؤكد بأن غياهب الظلمات لم تنجل بعد . جلس يتناول فطور الصباح مع عائلته ، ما زالت زوجته تبدي مخاوفها من مهمته الجديدة ، منصب مسؤولية في هذه الظروف أمر خطير غير أنه أقنعها بضرورة عدم القلق فقد قضى ثلاثة أشهر في وظيفته الجديدة ولم يحدث شيئا ولما الخوف يا ترى ؟ فهو يعمل من أجل تنمية البلدية و كل الناس يعرفونه منذ الصغر ، فهو ابن الشهيد الذي لم يتحزب يوما
و ما قبوله لهذه المهمة إلا استجابة لطلبات المواطنين وأعيان المدينة .
نفس اليوم أشرق على محمود ، الذي كان يتجول في شارع العربي بن مهيدي ، فالشمس تشرق على الجميع ، عاصمة
البلاد التي انطلقت منها كل المسيرات المؤيدة والمعارضة ، هنا يولد الزعماء ويموتون ، على كل حال لم تكن تعنيك
هذه الأفكار، ما يهمك حاليا هو تنفيذ المهمة الموكلة إليك ، تتأمل واجهات المخازن والمارة ، في هذه الأيام أضحت أشكال الناس تشبه العرائس التي يرميها الأطفال بعد طول استعمال ، بلباسك الرياضي ووجهك الأمرد لا يشك أحد في هويتك ، لقد تعودت على التفسح قبل إنجاز أي ضربة خاطفة ، بيادق كثيرة تملأ شوارع المدينة ، يتصورون بأنهم يِِؤثرون عليك بهذه الطريقة ، هيهات فالهدف قد حدد ولا يمكن لأي قوة أن تغير مسارك ، شارع التحرير لو تنطق أرصفته ، ستشهد بعشرات مسيرات التأييد ، توقف قرب كشك ، تأمل عناوين الصحف ، كلهم أبواق الجوقة سواء كانوا مستقلين أو عموميين ، المنابر الإعلامية الجادة منعت من الصدور لأنها كانت تسخر من الجوقة بطريقة لاذعة .
لم يكن محمود يتوقع بأنه سيصبح يوما ما مناضلا في حركة البنادق ، بل كان متزنا في آراءه ومواقفه ، كان مؤمنا بمبادئ حزبه حتى النخاع ولكن منذ أن تم إلغاء الحفل أصبح يكره الجوقة ووضع نفسه في خدمة العازف الوحيد ، لا يمكنه بأي حال أن يقبل بإقصاء عازف على وشك تملك كل شيء الكلمات و الألحان ، فضلا عن العزف .
انتهى الاجتماع الطارئ المتعلق بوضعية السكنات الاجتماعية ، توجه سالم إلى مكتبه وهو فخور بما تم إنجازه ، ما يحيره هو سياسة تراكم المشاكل وصراعات المنتخبين و هو يدرك بأن البيروقراطية والمحسوبية وغياب الضمير المهني وزوال الروح الوطنية من أهم أسباب الكارثة ويعتبر الكثيرون الوطنية والنزاهة شعارات جوفاء لا تصلح إلا لإنجاز المهام القذرة .
اقترب الموعد ، توجه محمود نحو مقهى شعبي وطلب ما أراد ، بعد قليل سيحضر شريكه في العملية ، حسب ما هو متفق عليه مع الأمير ستكون مهمته التمويه و المراقبة ، أما عمر فسيكون دوره التنفيذ عن الطريق السلاح الأبيض ، الرصاص لا يستعمل إلا مع القطع الكبيرة ويبدو أن هدف اليوم مجرد بيدق ، سوف يعرف كل شيء بالتفصيل ، بعد دقائق حضر المهدي المنتظر ، في ذلك الركن المنزوي ، فهم محمود الخطة بكل حيثياتها وعلى كل لم تعد تهمه الأسماء بقدر ما أصبح مهتما بالأفعال و الأهداف وبما أن هذه الأخيرة محددة سلفا ، فلم يبق نصب عينيه سوى المهام التطبيقية .
بعد حوالي ساعة خرج المهدي ومنتظره كلا على حدة ، بهذه الطريقة لن يشك في أمرهم أحد أخذ محمود يفكر في ساعة الحسم ، ستكون ناجحة بدون شك ، فالله معنا و الشيطان معهم ، حدث نفسه، ما زال يتساءل عن جدوى تأمين القاعات ، إن العزف أمام مجموعة بشرية نهارا أفضل بكثير من جوقة بدون مستمعين ليلا .
غادر سالم مقر البلدية ومر في طريقه إلى منزله على بعض المحلات من أجل اقتناء مشتريات خاصة ، في هذه اللحظات
بالذات كان عمر مختبئا في سرداب العمارة منتظرا قدوم سالم ، كانت حافة الخنجر تلمع بين أصابعه باعثة بنور خافت في المكان المظلم ، لم تكن تهمه الأهداف بقدر ما كان يعنيه التنفيذ الدقيق للتعليمات ، إنه مقتنع بأن من يصدر الأوامر هو الذي يهتم بالنتائج .
وقف محمود على بعد خطوات من المنعطف المحاذي للعمارة وفيما هو منشغل بساعته إذ بيد تربت على كتفه ، التفت
فإذا به يجد نفسه بمواجهة سالم ، هذا الأخير وضع كل أغراضه أرضا واحتضن محمود صديق الطفولة والدراسة ، الذي لم يره منذ سنوات ، فرح الاثنان بالمفاجأة ألح سالم على صديقه بضرورة مرافقته للقيام بواجب الضيافة ، غير أن محمود رفض مدعيا ارتباطه بموعد هام ، افترقا على أمل اللقاء في ظروف أخرى .
ما أن دخل سالم بهو العمارة حتى فوجئ بهجوم عمر غير المتوقع عليه ، عبثا حاول المقاومة ولكنه سقط أرضا ولمح خنجرا يهبط شاقوليا على صدره ، تلقى عدة طعنات عميقة وأخذ يتخبط في دمائه ، امتلأت الأرضية الزاهية الألوان بالدم الأحمر القاني الذي حول الأزهار الربيعية إلى حشائش دموية متوحشة غطت كل ما اشتراه سالم لعائلته وبدت علبة الحلويات التي أحضرها لابنته منال بمناسبة نجاحها الدراسي أقل إغراء وأضحت قطع الحلوى لحما داميا وكأنه سقط لتوه من جسم الأب ، في حين تحولت الأوراق المتناثرة إلى رسوم سريالية يغلب عليها اللون الأحمر .
بعد تأكده من وفاة البيدق ، نزع من جيبه الوثائق الشخصية و أسرع بالخروج من العمارة فاصطدم بأحد ساكنيها فدفعه مفسحا لنفسه الطريق ، سرعان ما اكتشف الداخل ما حدث وأسرع باللحاق به ، أوقف محمود الرجل وأقنعه بترك أمر الملاحقة له وطلب منه الاتصال بسيارة إسعاف لإنقاذ الضحية .
أخذ محمود يتظاهر بالركض خلف عمر وما أن تحولا إلى شارع آخر حتى تريثا حتى لا يثيرا الانتباه ، عندما وصلا إلى
المخبأ ، أخرج عمر الوثائق الشخصية المسروقة ورماها فوق الطاولة .
- إنه الدليل المادي على نجاح العملية الذي سأقدمه للأمير